أقبل الصيف بحرّه اللاهب وأنفاسه الحارّة اللاهثة يدبّ الحرارة في
الوجود , إنّه فصل الخير والبركة , وموسم الحصاد والنّزهات والسهرات
الجميلة في أحضان الطبيعة الضاحكة .
فالسماء صافية الأديم , والنسيم يهبّ رخياً هادئاً يداعب الوجنات
بسحره وفتنته , والنجوم المتلألئة ترصِّع السماء بأبهى زينة هي
زينة الكواكب النيِّرة , والقمر يضحك وهو يطلُّ على الكون بضيائه,
ويظهر سافراً لا تحجبه الغيوم , ولا يشوبه أي شحوب والشمس
تسطع وتستقرُّ وقت الظهيرة في كبد السماء , مسلِّطةً على الرؤوس
بحرِّها اللافح ووجهها اللاهب , والحقول تكتسي حلَّةً ذهبيََّةً ساحرةً
تسبي العقول بمرآها البهيج . فأنّى التفتَّ تر* سنابل القمح الذهبيّة ,
وهي تترنّح كأنّها أمواج البحر , وتر الأشجار وقد حفلت بالثمار الناضجة
العذبة : فمن تين وعنب ومشمش ودرّاق , إلى خوخ وتوت وتفاح
ورمّان .
وترى الخضر قد فرشت الأرض بثوبها البديع : فمن بطّيخ وبازلاء إلى بندورة
وفاصولياء , فسبحان من خلق الأرض وما عليها , وسخّر لكل حي رزقه
( هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه
تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل
الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون وإن تعدُّوا نعمة الله لا تحصوها
إن الله لغفور رحيم )
وفي الصيف ترى عصافير التين وهي تقفز فوق أغصانها كأنَّها هائمة
نشوى بأنغامه الشجيّة العذبة .
أما الحصَّادون فيجثون على الزرع بهمَّة ونشاط في صفوف منسَّقة
كأنَّهم المصلّون , ويرسلون أناشيدهم الحلوة وبسمات الرضى تبتسم
فوق ثغورهم وشفاههم تتمتم بالدعاء إلى الله عز وجل الذي منحهم
الخير والبركة في فصل الخير والسعادة والمسرات , تراهم وبأيديهم
المناجل يحصدون بها سنابل القمح , ثم يكدِّسونها أكوام سنابل في
البيادر حيث الدرس والتذرية والغربلة , وحيث حبّات القمح تتكدَّس
كومات من ذهب أصفر .
كم هو جميل هذا الموسم إنه موسم الفرح والخير والبركة والعطاء .
شرح المفردات بحسب ورودها في النص :
الأديم : ما ظهر من السماء .
الوجنات : ما ارتفع من الخدّين .
ترصِّع : تزيِّن .
لا يشوبه : لا يخالطه .
تسيمون : ترعون .
يجثون : يجلسون على ركبتيهم .